العنف العاطفي و دور العلاج النفسي في التعافي

بقلم: د. أبي عادل القاسم.

العنف العاطفي واحد من أكثر أشكال العنف انتشاراً وخفاءً في الوقت نفسه.

لا يترك كدمات على الجسد يمكن رؤيتها، لكنه يترك ندوباً عميقة في النفس قد تلازم الفرد لسنوات طويلة.

عبر عن ذلك الشاعر حسن عباس صبحي في رائعة الفنان عبد الكريم الكابلي “ماذا يكون”، عندما قال: “يا جرح دنياي الذي لا يندمل!!”.

يتمثل هذا النوع من العنف في أنماط متعددة من السلوكيات مثل التحقير، السيطرة، الإهمال، التلاعب النفسي، التهديد، و التقليل من قيمة الآخر.

على الرغم من أن ضحاياه يعيشون معاناة يومية حقيقية، إلا أن المجتمع غالباً ما يقلل من خطورته لأنه غير ملموس بالعين المجردة.

ماهو العنف العاطفي؟

العنف العاطفي هو استخدام المشاعر وسيلة لإيذاء الطرف الآخر أو السيطرة عليه.

قد يظهر من خلال النقد المستمر، نشر الشعور بالذنب، الحرمان العاطفي المتعمد، أو حتى تجاهل احتياجات الشريك الأساسية في التواصل و الدعم.

هذا النوع من العنف يضعف تقدير الذات، و يزرع شعوراً دائماً بالقلق و الارتباك، و يجعل الضحية تشكك في قيمتها و جدارتها بالحب.

يُمارَس العنف العاطفي في سياقات متعددة:

داخل العلاقات الزوجية، في التربية بين الآباء و الأبناء، و في بيئة العمل و في جميع هذه السياقات، تكون النتيجة متشابهة:

شخص يعاني من الانكسار الداخلي و صعوبة بناء علاقات صحية و آمنة.

الآثار النفسية للعنف العاطفي

أبرز ما يميز العنف العاطفي هو تأثيره التراكمي، فكل كلمة جارحة أو موقف مهين تترك أثراً صغيراً، لكن مع مرور الوقت تتكون شبكة معقدة من الجروح النفسية، ومن بين هذه الآثار:

• انخفاض تقدير الذات: الضحية تبدأ في تصديق الرسائل السلبية التي تتكرر باستمرار مثل “أنت غير كفء” أو “لن يقدّرك أحد”.
• القلق والاكتئاب: التعرض المستمر للضغط النفسي يولد اضطرابات مزاجية تقلل من القدرة على الاستمتاع بالحياة.
• الاعتماد العاطفي: قد يشعر الضحية بالعجز عن مغادرة العلاقة المؤذية خوفاً من الوحدة أو فقدان الشعور بالانتماء.
• اضطرابات في الثقة: يصبح من الصعب على الشخص أن يثق في الآخرين، حتى في العلاقات الصحية الجديدة.
• أعراض جسدية نفسية: مثل الأرق، الصداع، و اضطرابات الجهاز الهضمي الناتجة عن التوتر المزمن.

هذه النتائج تجعل العنف العاطفي أكثر خطورة مما يبدو، لأنه لا يقتصر على لحظة الصراع بل يمتد ليؤثر على مستقبل الفرد و صحته النفسية و الجسدية.

التحديات في التعرف على العنف العاطفي

إحدى أكبر مشكلات هذا النوع من العنف هي صعوبة التعرف عليه.

الضحايا كثيراً ما يبررون السلوك المسيء أو يقللون من شأنه، كما أن المعتدي قد يبرع في استخدام التلاعب النفسي لجعل الضحية تشعر بأنها المذنبة، لهذا، كثير من الأفراد يعيشون سنوات طويلة تحت وطأة العنف العاطفي قبل أن يدركوا أنهم ضحايا له بالفعل.

دور العلاج النفسي في التعافي

العلاج النفسي يمثل الأداة الأساسية لمساعدة الأفراد المتضررين من العنف العاطفي، فهو لا يقتصر على الاستماع إلى المعاناة، بل يهدف إلى إعادة بناء الذات الممزقة و تزويد الضحية بآليات جديدة للحياة.

• الاعتراف و التسمية: الخطوة الأولى في العلاج هي مساعدة الفرد على التعرف على العنف العاطفي و تسميته. بمجرد أن يدرك الشخص أنه ضحية، يصبح قادراً على البدء في التعافي.
• إعادة بناء تقدير الذات: يستخدم المعالج النفسي أساليب مثل العلاج المعرفي السلوكي لإعادة صياغة الأفكار السلبية المزروعة في عقل الضحية.
• تطوير مهارات المواجهة: يتعلم الفرد كيف يضع حدوداً صحية، و كيف يتعامل مع مشاعر الذنب أو الخوف.
• معالجة الصدمات: في بعض الحالات، يُستخدم العلاج الموجه بالصدمات لمساعدة الضحية على تجاوز التجارب العاطفية المؤلمة.
• دعم العلاقات الصحية: يساعد العلاج على تمكين الفرد من خوض علاقات جديدة تقوم على الاحترام و الثقة المتبادلة.

دور المجتمع والأسرة

لا يقتصر التعافي على العلاج النفسي الفردي فقط، بل يحتاج أيضاً إلى دعم من المحيط الاجتماعي.

الأسرة والأصدقاء يمكن أن يكونوا شبكة أمان للضحية من خلال تقديم الدعم غير المشروط و تشجيعه على البحث عن المساعدة المتخصصة.

كذلك، فإن التوعية المجتمعية بالعنف العاطفي تساعد في تقليل الوصمة، و تجعل الأفراد أكثر قدرة على التعرف على أنماط الإساءة في حياتهم.

نحو مستقبل أفضل

العنف العاطفي ليس قدراً محتوماً، و التعافي منه ممكن مع الدعم المناسب. العلاج النفسي يفتح الباب أمام الضحايا لاستعادة حياتهم و بناء ثقتهم بأنفسهم من جديد.

من المهم أن يتذكر كل فرد تعرض لهذا النوع من العنف أنه ليس وحده، و أن الصمت لا يحمي بل يزيد الجرح عمقاً.

في النهاية، يبقى العلاج النفسي نافذة أمل تعيد للإنسان إنسانيته المفقودة، فبينما قد لا نستطيع محو الماضي، إلا أننا قادرون على إعادة كتابة المستقبل، ليكون أكثر أماناً و امتلاءً بالحب و الاحترام.

بقلم🖋
أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي ومعالج نفسي
رقم العيادة الاونلاين واتساب
249116071234+